أخبار عاجلة

تحسين وظائف الدماغ البشري ضرورة لمواكبة نمو التكنولوجيا

دبي. ماي مول

روبن هاردينغيقول القدر كلمته في حياة الأطفال عند بلوغهم سن العاشرة، ضمن نظام التعليم الألماني، إذ يبدأون حينها مسيرتهم في التعليم الثانوي، الذي يتنوع بين مدارس داخلية توفر فرصاً كبيرة للوصول إلى الجامعات، ومدارس «الريال شوله»، التي تركز على الجانب المهني.

والتعليم في هذه المدارس ممتاز، لكنه غالباً لا يقود إلى الوظائف الأكثر طلباً أو الأعلى أجراً، لذلك يحلم كثير من الآباء الألمان بأن يلتحق أطفالهم بالمدارس الداخلية، ويبذلون في سبيل ذلك جهوداً كبيرة.

لهذا، كانت مجموعة من النتائج المنشورة مطلع العام في مجلة الاقتصاد السياسي لافتة للانتباه، فقد تناول التقرير دراسة أجريت على مجموعة من الأطفال في سن السابعة، استبدلت فيها 12 ساعة من دروسهم المدرسية التقليدية بجلسات تدريب على «الذاكرة العاملة»- وهي القدرة على الاحتفاظ بمجموعة من المعلومات في الذهن واستخدامها، مثل معرفة أطوال أضلاع المستطيل وحساب مساحته.

وتُعد هذه المهارة الإدراكية أساسية، ويُعتقد أنها تلعب دوراً مهماً في النجاح الأكاديمي، خصوصاً في حل المسائل الرياضية، وكذلك في مهارات الانتباه عموماً.

لقد أُجريت الدراسة بعناية، فاختيرت المدارس والفصول الدراسية داخل المدارس بصورة عشوائية، لتشكيل مجموعة علاجية وأخرى مرجعية، ويتبع ذلك أعوام من المتابعة، بهدف تقييم تأثير هذا التدخل المعتدل نسبياً على الأطفال، وقد تمثلت النتيجة الأساسية لهذه الدراسة في أن الأطفال الذين حصلوا على تدريب الذاكرة في سن السابعة كانوا أكثر ترجيحاً لدخول المدارس الداخلية بنسبة 16 نقطة مئوية، وجاءت النسب عند 46 % مقابل 30 % لمن لم يخضعوا لتدريب الذاكرة، وهو اختلاف كبير، ويُعد قياساً مهماً في تأثيره على الحياة مستقبلاً، واتضح بجلاء أن التدريب مفيد لكل الأطفال، سواء كانوا ميسوري الحال أو غير ذلك، وسواء كان أداؤهم في الاختبارات الأولية جيداً من عدمه.

تعزز هذه النتائج الدلائل على أن الأعوام الأولى من عمر الطفل تأسيسية ومهمة للغاية، كما أن التدخلات في هذه المرحلة لها فوائد كثيرة، وهي تتراكم بمرور الوقت.

ويشير ذلك أيضاً إلى مسألة أكثر عمقاً، وهي اتسام الإدراك بالمرونة، حيث إنه يمكن أن يتأثر سلباً أو إيجاباً بالتدريب، والبيئة، والسلوك.

ويبدو من المنطقي أن نولي انتباهاً شديداً للكيفية، التي يمكننا من خلالها تحسين وظائف أدمغتنا البشرية، في وقت تواجه فيه العديد من الاقتصادات صعوبة في تعزيز النمو الاقتصادي، وفي وقت يحل فيه الذكاء الاصطناعي محل المزيد من الوظائف التقليدية أكثر من أي وقت آخر، ويرفع مستوى المهارات الإدراكية اللازمة للحصول على أكثر الوظائف طلباً.

وبذلك تعود الاستراتيجية الصناعية إلى واجهة المشهد من جديد، غير أن تحسين الإمكانات الإدراكية ربما يكون وسيلة أقل من حيث التكلفة، وأعلى من حيث التأثير في زيادة الإنتاجية، ولهذا نحن بحاجة لاستراتيجية إدراكية للنمو الاقتصادي، ويمثل التدريب العقلي عنصراً مهماً في مثل هذه الجهود، لكنه لا يعدو كونه جزءاً منها.

هناك مشكلة أخرى يتحتم معالجتها، وهي تلوث الهواء، فهناك أدلة وفيرة على أن الجزيئات، خصوصاً الدقيقة منها ومتناهية الصغر، التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر، لا تتسبب في مجموعة من المشكلات الصحية طويلة الأمد مثل الخرف والسكتات الدماغية وسرطان الرئة وأمراض القلب فحسب، لكنها أيضاً تعيق نمو القدرات الإدراكية الأطفال، وتجعل الكبار أقل ذكاء.

وسيتطلب الأمر أيضاً وقفة مع التدهور، الذي يلحق بالإدراك البشري جراء التكنولوجيا الحديثة، فقد قللت محركات البحث المتاحة لأنامل أصابعنا من حوافز تذكر تعريفات الكلمات أو الحساب، كما يضر الانغماس في محتويات الفيديوهات من قدرتنا على القراءة أو الكتابة، علاوة على أن التعرض الإدماني المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي، التي تتطلب الكثير من الانتباه يضر بقدرتنا الإدراكية، ويقوض قدرتنا على التركيز.

الذكاء الاصطناعي هو الآخر يهدد بزيادة الطين بلة، ويحذر باحثون من «التكسيل الذهني» مع توكيل البشر مهام حل المشكلات الأساسية لروبوتات الدردشة، التي يشغلها الذكاء الاصطناعي.

ويكمن التناقض المثير في أن البشر أكثر استعداداً لتمرين عضلاتهم الجسمانية في صالات الألعاب الرياضية، بينما يسمحون لـ«العضلات العقلية» بالترهل، وهنا تشكل أدوات الذكاء الاصطناعي معضلة كبيرة، فالإخفاق في استغلالها سيجعلك غير مناسب لمكان العمل، لكن من شأن الاعتماد عليهم أن يدمر المهارات التي تجعل منك مفيداً.

وفي قصته المنشورة عام 1957 باسم «المهنة» كتب إسحاق عظيموف، كاتب الخيال العلمي، عن تكنولوجيا تمكن من زراعة معرفة خاصة في عقول البشر على وجه الفور، لكنها تجعل منهم غير قادرين على التعلم أو الابتكار، وكم كان عظيموف ذا بصيرة نافذة، من الواضح إذن أن تطوير القوة الإدراكية مفيد للأفراد، وللمجتمع أيضاً، وإلى أن يحين الوقت الذي يكون فيه الذكاء الاصطناعي قادراً بالفعل على الاكتشاف، وليس فقط اجترار البيانات التي تدرب عليها، لن يكون هناك سوى الابتكار البشري هو القادر على المجيء بمعرفة جديدة ودفع البشرية إلى الأمام.

وتمنحنا التكنولوجيا الجديدة طرقاً لتدريب عقولنا، وكذلك للإضرار بها. إنه صراع حاسم لمستقبلنا، ونحن بحاجة للانتصار فيه.

شاهد أيضاً

فيديو لحظة إنقاذ الطفل السوري علي صالح عبدي.. والأمن يحتفل بإطلاق النار

دبي. ماي مول وثق مقطع فيديو جديد، لحظة إنقاذ الطفل السوري علي صالح عبدي، من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.