دبي. وكالات
تتجه الأنظار عالمياً نحو مفهوم “الاقتصاد العمري” أو اقتصاد إطالة الصحة، باعتباره أحد أكثر أسواق المستقبل نمواً. وفي هذا السياق، تتبنى شركة تيرا إنفست، التي تتخذ من دبي مقراً لها، رؤية تقوم على تحويل “الصحة الممتدة” إلى فئة أصول استثمارية جديدة، تجمع بين التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي وعلوم التجديد الخلوي. وتؤكد المؤسسة والرئيسة التنفيذية للشركة أنكِتي بوس أن “أكبر الأصول التي لم يُقدَّر ثمنها بعد هي سنوات الصحة”، مشيرة إلى أن الاستثمار في تعزيز الحيوية البشرية سيكون أحد أهم محركات القيمة الاقتصادية في العقود المقبلة.
وترتكز استراتيجية الشركة على بناء محفظة متنوعة في قطاع طول العمر، عبر الجمع بين الطب التجديدي، والتشخيص المبكر، والتغذية الدقيقة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. ويشكل مركز «شوكرا إيستيتكس» الطبي، الذي أطلقته الشركة في دبي، منصة تشغيلية ونموذج عمل يجمع بين تقديم خدمات متقدمة، وبناء قاعدة بيانات حيوية ضخمة تُسهم في تطوير العلاجات وتحسين نتائجها.
وتعكس المؤشرات العالمية تسارع الطلب على هذا القطاع، إذ يُتوقع أن يتجاوز حجم اقتصاد طول العمر 600 مليار دولار بحلول عام 2030، في وقت يتجه فيه واحد من كل ستة أشخاص حول العالم ليكون فوق سن 65 عاماً بحلول 2050. وتوضح بوس أن الإنفاق العالمي على الرعاية الصحية يتركز في سنوات العمر الأخيرة، حيث تقل فاعلية التدخلات العلاجية، معتبرة ذلك “خللاً جوهرياً في السوق”، وتقول: “ضاعفنا متوسط العمر ولكن لم نضاعف متوسط الصحة”.
ويعتمد نموذج أعمال «تيرا إنفست» على مقاربة مشابهة للاستثمار في البنى التحتية التكنولوجية، تقوم على تحديد التقنيات الجذرية، وبناء الطبقات التشغيلية، ثم التوسع عالمياً. وتوضح بوس أن الشركة “تبني خطوط الإمداد التي ستقود الأداء البشري في المستقبل”. وفي هذا الإطار، يقدّم «شوكرا إيستيتكس» مزيجاً من الخدمات الطبية المتقدمة، تشمل تشخيصات معزَّزة بالذكاء الاصطناعي، مثل قياس العمر البيولوجي، وتحليل الخريطة الجينية، وفحوص الهرمونات، إلى جانب علاجات تشمل الخلايا الجذعية، واستبدال البلازما، وعلاجات الإكسوسومات، وتنشيط الميتوكوندريا.
وتُغذي البيانات الحيوية المجمعة من هذه العلاجات منصة التحليل الذكية التابعة للشركة، والتي يتم تطويرها بقيادة فينسنت نغ، المستشار الرئيسي للذكاء الاصطناعي في «تيرا إنفست». ويشير نغ إلى أن “كل تفاعل علاجي ينتج معلومة جديدة”، مؤكداً أن الشركة تبني “أصلاً رقمياً متراكماً” يساعد على تحسين البروتوكولات وتوجيه الاستثمارات المستقبلية بدقة أكبر.
وتتميز هذه المنظومة بأنها تمنح المستثمرين فرصة دخول قطاع علوم الحياة من دون انتظار الدورات الطويلة لتطوير الأدوية، إذ تقدم العيادات تدفقات مالية مباشرة، فيما تسهم طبقة البيانات في بناء قيمة طويلة المدى على مستوى المجموعة. وتصف بوس النموذج بأنه “مزيج بين التكنولوجيا الحيوية ورأس المال الخاص”، مضيفة: “نمنح المستثمر عائداً اليوم، ونصنع اكتشافات الغد”.
وتشغل الإمارات موقعاً مثالياً لاحتضان هذا النوع من الاستثمارات، بفضل بنيتها التنظيمية المرنة، وتنامي مكانتها كمركز عالمي للسياحة العلاجية، والتي تجاوزت قيمتها أربعة مليارات دولار خلال العام الماضي. وتؤكد بوس أن “دبي تمنح قطاع العلوم الحيوية ما منحته وادي السيليكون للتكنولوجيا: السرعة والقدرة على التوسع”، مشيرة إلى أن دورة الفكرة إلى التطبيق لا تستغرق شهوراً طويلة كما في كثير من الأسواق.
وقد افتتحت الشركة أولى عياداتها في منطقة الخليج التجاري في دبي خلال العام الجاري، فيما يجري التجهيز لإطلاق مركز متخصص في جزيرة النخلة يركز على التمثيل الغذائي والعلاجات الهرمونية، في حين يجري التخطيط لتوسعات في أبوظبي والرياض. ويأتي هذا التوسع في انسجام مع مستهدفات “رؤية الإمارات 2031” التي تركز على رفع متوسط العمر الصحي للمواطنين عبر تعزيز الابتكار الطبي والوقاية.
ويُعد قياس العمر البيولوجي محوراً رئيسياً في نموذج «تيرا إنفست»، حيث لم يعد العمر مجرد رقم في جواز السفر، بل مؤشراً لمدى كفاءة الخلايا والأنسجة. وتوضح بوس أن “العمر الزمني يخبرنا متى ولدنا، أما العمر البيولوجي فيخبرنا كيف نتقدم فعلياً في السن”. وتراقب العيادات مجموعة واسعة من المؤشرات الحيوية مثل طول التيلوميرات، وكثافة الميتوكوندريا، ومستويات الالتهاب، وجودة الكولاجين، لاحتساب ما تسميه الشركة “عائد الحيوية”.
وفي إطار توسعها، تبني الشركة منظومة تشمل علامات تجارية مكملة، مثل «ليميتليس برفورمانس» المتخصص في اللياقة المرتبطة بطول العمر، و«برانا لونجيفيتي» للغذاء الدقيق والمكملات، وجميعها تغذي منصة البيانات المركزية للشركة، لتكوين منظومة صحية متكاملة تشبه ما يسميه المحللون “إل في إم إتش” قطاع طول العمر، لكن بأفق يقوم على إطلاق الإمكانات البشرية بدلاً من تعزيز الرفاه المادي.
ويشهد القطاع اهتماماً متزايداً من الصناديق السيادية والمكاتب العائلية في المنطقة، التي بدأت تنظر إلى تعزيز العمر الصحي باعتباره “أصلاً استراتيجياً”. ويقول الدكتور فيصل خالد، الخبير الاقتصادي الصحي في أبوظبي، إن “طول العمر هو الـ ESG الجديد”، موضحاً أنه يجمع بين الأثر الاجتماعي والتنوع الاقتصادي، ويتيح للدول زيادة الإنتاجية الوطنية عبر تحسين الصحة العامة.
وتُدرك الشركة أن القطاع لا يخلو من التحديات، سواء من ناحية اختلاف التشريعات الخاصة بالبيانات الصحية أو طبيعة بعض العلاجات التي لا تزال في طور البحث. وتؤكد بوس أن حوكمة البيانات والأخلاقيات جزء أساسي من تصميم خدمات الشركة، مشيرة إلى أن «شوكرا» يخضع لمعايير هيئة الصحة بدبي ومعايير حماية البيانات الأوروبية، وأن جميع البيانات الصحية تُعالج بشكل مجهول.
وتبرز أهمية هذا القطاع في نتائجه الاقتصادية، إذ تشير تقديرات مؤسسة «ماكينزي» إلى أن إضافة سنة صحية واحدة فقط إلى متوسط عمر البشر يمكن أن تضيف نحو 38 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي. وتؤكد بوس أن الاستثمار في تحسين صحة السكان بمثابة “مضاعف للناتج المحلي”، لكون الأفراد الأصحاء أكثر إنتاجية ويحتاجون إلى موارد أقل لاحقاً.
وتعمل «تيرا إنفست» وفق نماذج مالية تتوقع تحقيق هوامش ربحية مزدوجة الرقم في شبكة العيادات، مقابل تقييمات أكبر لعمليات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات. إلا أن بوس تؤكد أن القيمة الحقيقية تتجاوز الأرباح المالية، مضيفة: “إذا استطعنا إطالة سنوات الحيوية لملايين البشر فنحن نعيد تعريف القيمة الاقتصادية على مستوى المجتمع”.
وفي رؤية الشركة للمستقبل، يتحول الزمن ذاته إلى عنصر استثماري، يمكن قياسه وتحسينه واستثماره. وتقول بوس: “كان المستثمرون يتعاملون مع آفاق زمنية تقاس بالربع المالي. أما اليوم فنحن نتعامل مع سنوات بشرية”. وتطمح الشركة لأن تكون في موقع ريادي في عصر يتحول فيه علم الأحياء إلى لغة اقتصادية جديدة، لتصبح دبي بوابة عالمية لصناعة الصحة الممتدة وعلوم الحياة.
My Mall مجلة للسياحة والتسوق والصحة